ديدات والنقد النصي
نظرة في مقال (ابن الكلمة)
قام الزميل ابن الكلمة يوم الأحد قبل الماضي بطرح موضوع عن الشيخ ديدات سماه (ديدات والنقد النصي)[1]، خلال سطور الموضوع القليلة فإن الزميل إستنكر أمرين عند مشاهدته لفيديو[2] للشيخ –رحمه الله- يتحدث فيه عن موثوقية النص المقدس من خلال عدد من المشاكل النصية النصية الشهيرة (مثال: نص تثليث يوحنا الأولي 5/7 و خاتمة إنجيل مرقس) بالإضافة الي إشارته الي مشكلة نصية قد لا يعرفها الكثيرون وهى مشكلة خاتمة إنجيل لوقا أو ما يعرف في النقد النصي بإسم:[3] (Western non-interpolations).
المشكلة التي أشار لها الشيخ ديدات وإنتقدها الزميل كانت المشكلة النصية بالعدد 51 من الإصحاح 24 بإنجيل لوقا، حيث يقول نص الفاندايك: وَفِيمَا هُوَ يُبَارِكُهُمُ، انْفَرَدَ عَنْهُمْ وَأُصْعِدَ إِلَى السَّمَاءِ.
إلا ان ما خُط بهذا العدد أشار العلماء الي حذفه من قبل بعض المخطوطات وهي:
المخطوط بيزا D والناسخ الأصلي للمخطوط السينائي[4] بالإضافة الي اغلب الترجمات اللاتينية القديمة مثل:[5]
a b d e ff2 j? l
بالإضافة الي المخطوط السرياني السينائي syrs
والمخطوط الجورجاني Adysh وإقتباس واحد بعمل منسوب للقديس أغسطينوس كتب في القرن الرابع بشمال افريقيا.[6]
هل القراءة الأصلية هي بإثبات الفقرة او بعدم إثباتها؟ - هذا التعقيب النقدي لا يتطرق الي تلك النقطة وليس معنياً بها من قريب او بعيد، وإنما الغرض هو التعليق علي النقاط الأساسية لمقال الزميل والمتمثلة وفقاً لنظرة الزميل في أن الشيخ رحمه الله – سقط في عدد من الأخطاء – وهذا ما يمكننا فهمه من خلال قوله:
هذه الأخطاء وجدناها فى حديث له لمدة ثلاث دقائق ، فكم ستكون حجم الأخطاء لو شاهدنا حديثه كاملاً ؟؟!!.
إذا فقضية مقال الزميل معنيه بتوضيح أخطاء توهم الزميل ان الشيخ رحمه الله سقط فيها فالزميل لم يقدم مقالاً نقدياً على مستوى تحليلى لنتحدث عن طرحة لمشكلة نصية ولكنه في الحقيقة بنى مقاله لتخطئه الشيخ رحمه الله وهو الامر الذي يظهر بوضوح حتى من عنوان المقال.
لنلقى إذا نظرة على كلمات الزميل لنرى صحة ما يرمى اليه ولنترك الحكم للقارئ.
يقول الزميل:
يقول ديدات أن الجزء الموضوع خط تحته هو جزء مفبرك ومختلق ، فهل هذا الكلام صحيح ؟؟!! لقد رجعت للعديد من المراجع النقد نصية ، ووجدت هناك إتفاق أن الآية أصلية وأن لوقا الرسول قد كتبها فى إنجيله.
1- لم يذكر الشيخ رحمه الله انه عالم نصى او انه متبحر في علم النقد النصي او انه حتي اكتشف تلك الحالة النصية من خلال الدراسة بل ان المشاهد للفيديو (1:27) و (2:57) سيكتشف ان الشيخ رحمه الله كان يمسك بنسخه Revised Standard Version مستشهداً بكونها نتاج عمل 32 عالماً مسيحياً من مختلف الطوائف والكنائس وان تلك النسخة قد قامت بحذف تلك الفقرة بإعتبارها غير أصلية ومفبركة، فصنيع الـ32 عالما هو الذي فُسر بانه حذف للفقرة علي انها (مفبركة ومختلقة) وهو الرأى الذي نقله الشيخ وليس هو قائله ... فكيف رأى الزميل في الفيديو ان الشيخ رحمه الله هو مدعى هذا القول ؟!
2- زعم الزميل انه بعد الرجوع للعديد من المراجع النقدية فإنه قد وجد ان هناك إتفاقاً بين العلماء على ان الفقرة أصلية وان لوقا هو كاتبها وهذا طبعا مبنياً علي ان القول بكونها مفبركة هو راجع لديدات نفسه وليس لعلماء مسيحيين نقل عنهم الشيخ ... تعليقى علي تلك النقطة هو ان هذا الكلام غير صحيح فلا قديماً ولا حديثاً حدث إتفاق بين العلماء علي صحة تلك الفقرة.
- فعلي سبيل المثال وضعها العالمين ويستكوت وهورت بين قوسين للدلالة علي عدم صحتها عندهما مع تعليق صريح من هورت علي انها فقرة مضافة.[7]* وعلي نهجهما صار العالم نستل[8] عبر سلسلة من الإصدارات واضعاً إياها بين قوسين للدلالة علي أنها مضافة الي النص في وقت مبكر.[9]
* مروراً بنسخة 1963 حيث الإصدار 25 من نسخة نستل-الاند فإن الفقرة قد حذفت من النص.[10]
* وضعها العالم ميشيل هولمز بين قوسين[11] للدلالة على أن الفقرة مشكوك في صحتها.[12]
* وبالمثل فعل العالم فون سودن في نصه اليوناني واضعاً الفقرة بين قوسين.[13]
* حذفها العالم تشندورف من إصداره الأخير والأكبر -الإصدار الثامن-[14]
* حذفها العالم برنارد وايس من نصه[15] وكان شديد الوضوح في أنها إضافة من النساخ.[16]
* حذفها العالم يوحنا سيمون من نصه.[17]
* حذفها العالم جريفين من نصه.[18]
* دافع بعض العلماء عن عدم صحة تلك الفقرة أمثال: أيرمان بارت[19] ومارك بارسون.[20]
تلك القائمة من العلماء ليست علي سبيل الحصر او حتي علي سبيل اثبات صحة الفقرة من عدمها – كما أشرنا من قبل – وإنما الغرض إثبات ان الإتفاق المزعوم من قبل الزميل ليس صحيحاً فكما هي أغلب الحالات النقدية هناك من يدافع وهناك من يؤيد.
يقول الزميل:
أعطت اللجنة القيمة {B} لنص الآية [1] ، وهذا معناه أن نسبة تأكد اللجنة من صحة القراءة أكبر من نسبة عدم تأكدهم ، ويقول بروس متزجر (أحد أعضاء اللجنة) [2] أن معظم اللجنة تفضل القراءة الأطول لعدة أسباب ثم أورد خمسة أسباب لصحة القراءة الأطول كان السبب الثالث هو وجود الآية فى العديد من الشواهد النصية مثل البردية P75 التى تعود إلى عام 200م.
1- إن ابسط ملاحظة في هذا القول هي: (ان معظم اللجنة تفضل) وهذا معناه وجود إختلاف فعلي بين أعضاء اللجنة مابين مؤيد ومعارض للفقرة !!
2- الملحوظة الثانية هي فى إعتداد الزميل وإهتمامه بذكر رمز اللجنة (B) مايعني ان الأمر شبة مؤكد لديهم وهو الأمر الذى ليس بتلك البساطة التى يراها القارئ في كلام الزميل، فعبر إصدارات اللجنة الأربعة[21] فإن الرمز قد إختلف جذرياً ووضع النص قد أختلف شكلياً. ففي الإصدار الأول 1966 كانت الفقرة موضوعة بين قوسين[22] للدلالة على عدم صحتها ثم تطور الأمر مع الإصدار الثاني 1968 فحذفت الأقواس[23] وصار الرمز (D) للدلالة علي عدم مقدرة اللجنة علي إتخاذ قرار حاسم بشأن تلك الفقرة ثم كان الأمر ذاته بالإصدار الثالث 1975 والإصدار الثالث المنقح 1983 قبل ان يتحول الرمز بشكل عجيب وطريف من (D) الي (B) وبدون اى مقدمات بالإصدار الرابع عام 1993.[24] بل ان العجيب في الأمر ان تعليق بروس متزجر علي الفقرة بالإصدار الثالث هو ذاته التعليق علي الفقرة بالإصدار الرابع بدون زيادة ولو حرف واحد اللهم الا ان الفقرة محل الخلاف قد صار رمزها في التعليقين من (D) الي (B).[25]
3- الملحوظة الثالثة والهامة هى إكتفاء الزميل بذكر السبب الثالث فقط من الأسباب المعلنة من قبل بروس متزجر في تعليقاته والذي يشير الي أن أصاله الفقرة مبنيه علي وجودها بالبردية P75 والتي تعود الي بدايات القرن الثالث ... ما أود الإشارة له هنا ان هذا السبب تحديداً كان هو المعيار السحرى عند الكثير من العلماء للتنازل عن مقعد عدم أصالة تلك الفقرة والإنتقال الي مقعد المدافع عن صحتها.[26] منهجية هذا المعيار والقائم على ان تقريب المسافة بين مخطوطات القرن الرابع ومخطوطات القرن الثاني المفقودة دليل كافى علي صحة الفقرة، تلك المنهجية لاشك أنها منهجية عشوائية بشكل كبير بل وتكشف ببساطة كيف ان الفقرة كانت تتمتع بدليل قوي يدافع عن وجودها في حيز الإهتمام لدى العلماء وكيف ان العلماء بدا وكأنهم يبحثون عن القشة التي تنقذ النظريات النصية المبنية علي أصولية الإنتقال النصي بالنص السكندري والإستقرار النصى به، فعندما تحدث هورت عن نظرية الإضافات غير الغربية لم تكن البردية P75 قد أكتشفت بعد ولكنه كان في الحقيقة يتخيل وجودها بإعتبار رؤيته للنص السكندري على انه إمتداد نقي لنص سليم من مخطوطات القرن الثانى والثالث، فهورت -او اى ناقد نصي اخر- لم يزعم ابداً ان المخطوط الفاتيكانى قد نسخ من الأصل مباشرة وهو ما يعنى ان نظرية هورت لم تكن سلبياتها تتضمن الفجوة الزمنية بين مخطوطات القرن الرابع والأصل المفقود ولهذا جزم عدد من العلماء قديماً وحديثاً بعدم تأثير إكتشاف البردية P75 على نظرية هورت.[27]
يقول الزميل:
ونفس الكلام يؤكده فيليب كومفورت حيث يقول أن البردية P75 والمخطوطة الفاتيكانية B يحفظان النص الأصلى للإنجيل بدقة. [8] والمخطوطتان متفقتان على القراءة الأطول.
1- للدلالة على المنهجية العشوائية بإعتبار البردية P75 شاهداً ساحقاً هو ذكر عدد من الأمثلة النصية التي إتفق فيها نص البردية P75 مع المخطوط الفاتيكاني ومع ذلك تم رفض تلك القراءات بإعتبارها قراءات غير أصلية:
- لوقا 6/26 حذف / آبائهم
- لوقا 8/16 حذف / لينظر الداخلون النور
- لوقا 10/24 وأن يسمعونى / وأن يسمعوا
- لوقا 10/39 يسوع / الرب
كل هذه الأمثلة تشترك فيها البردية P75مع المخطوط الفاتيكانى ومع ذلك فهى مرفوضة من قبل علماء اللجنة وغيرهم، إن هذه الأمثلة وغيرها الكثير تثبت ان إكتشاف البردية P75 لم يكن بالإكتشاف السحرى والذي اثبت صحة تلك الفقرة اوغيرها بل هى خير دليل على انه حتى ومع إتفاقها مع المخطوطات الأخري كالفاتيكانية فإن النص الذى تقدمه قد يكون غير صحيحاً ، فالفساد النصى بها قد يعود للقرن الثاني.
أخيرا يقول الزميل:
نقطة أخرى ، ديدات يقول أن إنحيلين فقط هما اللذان ذكرا صعود المسيح: مرقس ولوقا ، لكن إنجيل يوحنا يذكر الصعود أيضاً فى حديث السيد المسيح مع مريم المجدلية [قَالَ لَهَا يَسُوعُ:«لاَ تَلْمِسِينِي لأَنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى أَبِي. وَلكِنِ اذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ:إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلهِي وَإِلهِكُمْ»] (يو 20 : 17) . فكيف يقول ديدات أن إنجيل يوحنا لم يذكر صعود المسيح ؟؟!! وأن إنجيلين فقط هما اللذان ذكرا صعود المسيح ؟؟!! وكيف يدعى أن نص الصعود فى إنجيل لوقا غير أصلى ؟؟!!
1- مرة أخري فإن الزميل يُلبس على لسان الشيخ رحمه الله ما ليس له به أصل، وهذا راجع لسوء فهم الزميل والراجع الي فيلب كمفورت والذى نقل عنه الزميل تلك الملحوظة[28]، فبعد إقرار كمفورت بعدم وجود ذكر للصعود بإنجيل متي ولا إنجيل مرقس[29] فإنه أشار الى ان يوحنا ذكر الصعود وذلك من خلال العدد الذى اقتبسه الزميل، وللإجابة على ذلك نقول ان هذا خلط بالمراد من الصعود، فهناك فارق بين ذكر الصعود وبين قصة الصعود نفسها، لأن الصعود فى ذاته قد يكون بالجسد او قد يكون بالروح بدون جسد وهو الأمر الذى لايفسره نص يوحنا، فى حين فإن نصى لوقا ومرقس والأعمال يفسران عملية الصعود نفسها على أنها عملية حسية مادية بالجسد وهو الأمر الذى أشار اليه الكثير من الأباء فى مواجهة الهراطقة أمثال ايرناؤس[30] وترتليان[31] وكيرلس السكندرى[32] ويوحنا الدمشقي[33].
2- وبفرض ان يوحنا كان يضع فى ذهنه عمليه الصعود إلا انه لم يسرد وقوعها في إنجيله وإنما إكتفى بالإشارة إليها فقط فإن هذا القول لم يكن زعماً من الشيخ ديدات رحمه الله بل ان الكثير من العلماء فهم القضية بنفس الأسلوب -الفارق بين الإشارة والحدث ذاته- جازمين بأنه في حالة عدم صحة فقرة لوقا ومرقس فإنه لا توجد إشارة الي قصة الصعود بأى إنجيل على الإطلاق، من هؤلاء العلماء:
* It is a striking fact, for example, that-with the possible exception of St. Luke-our Lord's ascension is not narrated in anyone of the four Gospels.
: Our Lord's Ascension, Theology, May 1926 Vol-12, 242
* If the Western omission is correct, there is no reference at all to the Ascension in the original text of the gospels, Mk. Xvi, 19 being part of the unauthentic longer ending.
: Alterations to the Text of the Synoptic Gospels and Acts, C. Williams, p51
* The Ascension apparently did not lie within the proper scope of the gospels, as seen in their genuine texts: its true place was at the head of the Acts of the Apostle….
: Westcott & Hort, Introduction, Appendix, p73
الخلاصة:
لم يخطئ الشيخ رحمه الله في نقله عن ان الفقرة بإنجيل لوقا 24/51 مضافة، بل العكس صحيح تماماً فهذا القول ليس تفرداً منه بل هو قول الكثير من علماء المسيحية قديماً وحديثاً والأمر ذاته ينطبق على حقيقة ان الأناجيل قد لا تحتوى على اشارة واضحة لحقيقة وقوع الصعود وهذا الأمر ليس كذلك من تفردات الشيخ او إجتهاداته الشخصية بل هو كلام علماء المسيحية أنفسهم.
رحم الله الشيخ أحمد ديدات وأسكنه فسيح جناته فلا شك فى ان محاضراته ومناظراته هى مرجعية عظيمة لكل طالب فى مجال مقارنة الأديان.
[1] http://www.drsamtc.blogspot.com/2012/09/blog-post.html
[2] http://www.youtube.com/watch?v=etZP6-vHWv4
[3] للمزيد عن تلك الفقرات وتاريخها يراجع مقال الدكتور حسام البخاري (عقلنة الفوضي: عدم الزيادات الغربية) بالعدد الأول من الجريدة النقدية: http://tcjournal.sheekh-3arb.net/articles/9.htm
[4] تم التصحيح من قبل المصحح الثاني والذي يعود للقرن السابع
[5] المخطوط اللاتيني j لم اجده في هامش UBS إلا انه موجود عند Greeven p281 وMerk p305 وM. Pelt p155
[6] David Parker, Living Text, p170-171
[7] Westcott & Hort, Introduction, Appendix, p73
[8] Nestle, N.T. Greek text with critical apparatus, p240
[9] Ibid VII
[10] K. Snodgrass, Western Non-Interpolations, JBL v91 n3, p371
[11] SBL Greek New Testament, p181
[12] Ibid XIV-XVnote
[13] When the western text is right, The Expository Times, vol36 p359
[14] Tischendorf, Novum Testamentum Graec, vol1 p737
[15] Weiss, Textkritische der vier Evangelien, p48 & p181
[16] Bernhard Weiss, A commentary on the New Testament, Vol2 p212
[17] J. M. S. Baljon, Novum Testamentum graice, p235
[18] Heinrich Greeven, Synopse der drei ersten Evangelien 13th, p281
[19] Ehrman, The Orthodox Corruption of Scripture, p231
[20] Mikeal Parsons, A Christological Tendency in P75, JBL 105
[21] أعتبرت هنا ان UBS3th = UBS3Corr
[22] K. Snodgrass, Western Non-Interpolations, JBL v91 n3, p371
[23] Zwiep, The Text of the Ascension Narratives, NTS vol42 1996, p219n2
[24] Kent D. Clarke, Textual Optimism: A Critique of the UBS, p193
[25] Metzger, Textual Commentary 1 p189 – 2 p162
[26] Michael W. Martin, Defending the western non-interpolations, JBL 124/2 2005, p269
[27] يراجع مثلاً: Ehrman, The Orthodox Corruption of Scripture, p225 او Colwell, Hort Redivivus, p139
[28] Comfort, Commentary, p249
[29] بإعتبار ان كمفورت لا يؤمن بصحة خاتمة مرقس، المرجع السابق ص157-163
[30] Against Heresies IV, 34, 3
[31] On the Resurrection of the Flesh 51
[32] Commentary on Luke 24
[33] Dogmatica, 147
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق