30 يونيو 2014

نقد الزعم الكاذب للزميل - فادي اليكساندر



 (1)
 فادي اليكساندر  



هذا زعم كاذب
  


يعتبرالنقد النصي واحداً من العلوم الكتابية التي ظهرت حديثاً في العالم العربي، كان ظهورها بشكل اولي من خلال الكتابات التي توضح الاختلافات بين الترجمات المختلفة كدليل على التحريف. سريعاً ومع إمكانية الوصول الى صور المخطوطات على الإنترنت بدا واضحاً ان علم (النقد النصي) يتجه نحو حقبة جديدة من الدراسات بالعالم العربي.. أذكر تلك الضجة التي أحدثها كتاب (تحريف مخطوطات الكتاب المقدس) للأستاذ على الريس(1) كأول كتاب عربي يُظهر صور المخطوطات القديمة والتي تحتوي على فقرات او كلمات تختلف عن النص الذي بين أيدينا اليوم. خلال تلك الفترة فإن الأثار السلبية التي ظهرت من إستخدام المسلمين لعلم (النقد النصي) على إيمان المسيحي البسيط كان كبيراً وشديد التعقيد لدي البعض، الامر الذي تطلب حينها التصدي لتلك المشكلة.

واحدة من تلك الكتابات الدفاعية العميقة في هذا المجال من الطرف المسيحي كان مقال:
(التحريف والعصمة في ضوء النقد النصي – الجزء الثاني) للزميل (فادي اليكساندر).

المقال في جملتة جيد جداً ويحتوي على معلومات قد تهم القارئ المسيحي العادي الغير متبحر في النقد النصي، لكن كعادة كتابات الزميل (تحديداً) لا يخلوا المقال عن بعض الأخطاء العلمية والمنهجية بالإضافة الى بعض التدلسيات الفجة وقصر رؤيته على النظرة الاعتذارية فقط دون اعتبار ردود الأخرين !!
في عدد من التدوينات المختلفة سأقوم - بإذن الله تعالى - بإلقاء الضوء على نقاط هامة في مقال الزميل سواء بالنقد او بالتوضيح.


 William L. Petersen
 

نحن لا نعرف شئ عن النص الأصلي للأناجيل


يعد البروفيسور (ويليام بيترسين) -توفي عام 2006- من العلماء البارزين في دراسات دياتسرون تاتيان والكتابات الآبائية والنقد النصي، كما انه له عده مقالات شهيرة في النقد النصي من أشهرها:
1-     What Text Can New Testament Textual Criticism Ultimately Reach? (1994)

يقول الزميل (فادي) في مقاله المشار إليه والصادر عام (2009) اى بعد نحو ثلاثة سنوات من وفاة (بيترسين) مانصه: ص24
 

مبدئياً فإنه من المعروف للدارسين في علم النقد النصي ان العالم (بيترسين) كان من أوئل العلماء ممن نادوا بصعوبة تعريف مصطلح (النص الأصلي) في ضوء تطبيق النقد النصى على العهد الجديد[2]، ففي نفس المقال الذى أشار اليه الزميل (فادي) يتسائل العالم (بيترسين) قائلاً:[3]
(( هل نص "مرقس" الأصلي هو النص الموجود بمخطوطات القرن الرابع او القرون التالية؟ ام هو النص المُستعاد من خلال الإتفاقات الثانوية بين "متي" و"لوقا"؟ وكذلك أيها –لو كانت واحدة منهم- هي خاتمة "مرقس" الأصلية  من النهايات الأربعة المتوافرة؟ .... من الواضح انه حتى وبدون اعتبار للقراءات المنفردة فإن تحديد أي نص لـ"مرقس" هو الأصلي امر صعب إن لم يكن حتي مهمة مستحيلة.  )).

من تلك المقدمة للعالم (بيترسين) يمكننا إذا تحديد رؤيته الواضحه لتعريف مفهوم النص الأصلي، حيث يوضح أن تحديد نص إنجيل "مرقس" لا يبدأ من حيث القراءات النصية المختلفة بين مخطوطاته وإنما يبدأ من حيث تعريف نص إنجيل "مرقس" ككتله نصية واحدة. وهو الأمر الذى عبر عن معرفته إياه بالـ"مستحيل"، للدرجة التي جعلته هو نفسه يهمل محاولة توضيح رؤيته الشخصية لنص إنجيل "مرقس" الأصلي لقارئ مقالته !![4]
 
أما عن رؤيته الشخصية لنص إنجيل "مرقس" كنص المخطوطات المختلفة فقد عبر عنه في نهاية نفس المقال قائلاً:
(( يلاحظ ان تعريف كلمة النص "الأصلي" قد صارت الأن محسومة: أنا أستخدم مصطلح "الأقرب للنص الأصلي" على انها تعني أي استشهاد معترف به في الفقرات، بينما رؤيتي النقدية للنص "الأصلي" تعني فقط النصوص المتولدة بعد قيام "الوعي النصي"  لدي المسيحيين الأوائل بإنشاء نص مستقر. في الفترة بعد 180 ميلادي ))[5]

الزميل إذا لم يفهم قضية (النص الأصلي) لدي العالم (بيترسين) وكذلك من الواضح انه لم يفهم كذلك أيضاً قضية المقال نفسه !!

 فقضية مقال العالم (بيترسين) تنصب في خانة واحدة الا وهي المنهجية العشوائية للنص المٌستعاد بالنسخ النقدية أمثال نستل ألاند ونص اللجنة UBS. فالعالم (بيترسين) يري: (( بوضوح ان النص النقدي يقترب فقط من النص الموجود قريبا من بداية إستقرار التقليد المخطوطي بالأسكندرية او المحايد التنقيحي، او بدايات القرن الثالث ولا يحاول إستعادة النص "الأقرب للنص الأصلي" ))[6]
 
معللاً ذلك فى أن تلك النسخ النقدية تقوم فى محاولتها الوصول الى النص الأصلي المفقود بالإكتفاء بالوصول نحو نقطة واحدة في التقليد المخطوطي وهي العام 180م معتبرين ان النص قبل تلك الفترة كان سائلاً للدرجة التي تدني من قيمة الاستعانة به في محاولة الوصول الى النص المفقود.[7]، في سبيل تأكيده لذلك فإن العالم (بيترسين) قد حدد أمرين: 
-الأول منهما هو أهمال كافة النسخ النقدية لقراءات البرديات معتبرين إياها (( لا تقدم عرض حقيقى للنص "الأقرب للأصل" )) وإنما (( تعتبر مهمة عند بعض النقاد النصيين لأنها تقدم توسع للدليل المخطوطي لعائلات نصية خاصة – العائلة السكندرية او المحايدة- ))[8]،
-الثاني هو إهمالهم لشهادات الآباء النصية قبل تلك الفترة (180م) والتي يجب ان: (( نغتنم المصادر الآبائية ونأخذ شهادتهم بشكل جدي )) وذلك لأنه تلك النوعية من الشهادات سوف: (( تغير بشكل واضح شكل نص النسخ النقدية ))[9]

من هنا فإن السؤال الذى إقتبسه الزميل (فادي) من مقال العالم (بيترسين) لا يتحدث عن ضياع النص الأصلي وإستعادته بقدر ما يتحدث وببساطة شديدة عن سوء آليه تطبيق النقد النصي عند بعض العلماء في عدم الإستعانه بالمصادر المختلفة. ولهذا يقول العالم (إلدون ايب) عن الهدف من المقالة: (( الفكرة الرئيسية من مقالته -يقصد بيترسين- العمل بالتوازي مع تلك القضايا الخاصة، أعني، لو كان هدف النقد النصي للعهد الجديد هو إنتاج "النص الأقرب للأصل" إذاً فإنه من المفترض توظيف المصادر التي من شأنها تسهيل هذا الهدف ))[10]

بشكل أبسط فإن كلام العالم (بيترسين) عن نصوص النسخ النقدية قريب لحد كبير مما ظهر بعد ذلك بما يعرف باسم (النص الأولي) والذى يقصد به ذلك النص الذى نبعت منه التقاليد النصية الموجودة حالياً بالمخطوطات[11]
 
ولمزيد من التوضيح حول تلك النقطة -اعني هنا موقف (بيترسين) من الإقتباسات الآبائية والنص الأصلي- فإنه يتوجب علينا الإنتقال الى مقالين آخرين للعالم (بيترسين) وهما:

1-     The Genesis of the Gospels (2002)
2-     Textual Traditions Examined: What the Text of the Apostolic Fathers Tells Us about the Text of the New Testament in the Second Century (2005)

حيث يري العالم (بيترسين) أن أبحاث العلماء المستخلصة من دراسة كتابات الآباء الرسل تظهر: (( بوضوح ان الأغلبية العظمي من الفقرات الموجودة بكتابات الآباء الرسل والتي يمكن ان نري مثلها بالتوازي مع العهد الجديد بها إنحرافات عن نصوص النسخ النقدية الحالية المستعادة لنص العهد الجديد. يجب التأكيد على ان الأغلبية من تلك الإنحرافات ليست مهملة "كإختلافات في التهجئة او ازمنة الأفعال" وإنما هي كبيرة "سياق نصى جديد تماماً، تغييرات جوهرية، أو محذوفات، او خلط بين أفكار او فقرات مختلفة تماماً" ))[12]
بشكل أخر فإن العالم (بيترسين) يقر بحقيقة: (( في الأغلبية الساحقة من الحالات التي تتشابة فيها بالتوازي فقرات بالأباء الرسل مع النص الحالي للعهد الجديد فإنها تُظهر نصاً يختلف تماماً عما نجده الأن في النسخ النقدية الحديثة للعهد الجديد ))[13] 

وبما أن النص النقدي الذى تقدمه النسخ النقدية المتوفرة حالياً لا يقدم نصاً اقدم من العام 180م ولا يعتمد على دمج المصادر التي تعود إلى ما قبل ذلك خصوصاً من كتابات الآباء الرسل فإن العالم (بيترسين) يعترف: (( كي أكون صريحاً بشكل شرس، فإننا لا نعرف أي شيء عن الشكل الأصلي للأناجيل، بل واقعياً فأن السؤال عن هذا الأمر هو مشكوك فيه. هذا يؤدي الى الخاتمة التي لا مفر منها من النص الموجود بالنسخ النقدية اليوم هو في الحقيقة النص الذى يؤرخ بما ليس أقدم من 180م. نسخنا النقدية لا تقدم لنا النص المتوافر في 150م او 120م او 100م او ما هو اقل من ذلك 80م. ))[14]، معلقاً في الهامش بشكل أكثر وضوحاً قائلاً: (( أين، خلال سلسلة تطورات النص التي اوضحناها بالقرن الأول والثاني يمكن ان يوقف المرء العملية ويقول "هذا" هو "النص الأصلي"؟ المؤلف -يقصد نفسه- يقر بأن هذا مستحيل. ))

باختصار شديد كيف يقول الزميل (فادي) ان العالم (بيترسين) يقول بتوافر النص الأصلي في المصادر المتاحة والعالم (بيترسين) نفسه يقول:
(( نحن لا نعرف شيئاً عن نص الأناجيل في القرن الأول لأننا لا نمتلك دليل مخطوطي وقليل من الكتابات الآبائية. ))[15]

 من أين أتى بهذا الزعم الكاذب !!
 
-------------------------------------------
[1] لتحميل الكتاب:
 http://book.kalemasawaa.com/christianity/Textual_Criticism/tahreef_makhtootat.pdf
[2] Michael W. Holmes: What Text Is Begin Editied?, p106
[3] Petersen: What Text Can New Testament Textual Criticism Ultimately Reach?, p136 
[4] Michael W. Holmes: From “Original Text” to “Initial Text”, p639-n9
[5] Petersen: What Text ...?, p151-n54
[6] Ibid, p150-151
[7] Ibid, p148-149
[8] Ibid, p138
[9] Ibid, p151
[10] Epp: The Multivalence of the term “original text”, p260
 من الأخطاء -أو التدليسات- الطريفة بمقال الزميل (فادي) قوله ص54 [11]
 
في حين ان العالم (جيرد مينك) وهو أول من قدم عرض تقديمي عن النص الأولي ونظرية:
 Coherence-Based Genealogical Method 
 يقول في مقاله: Problems of a Highly Contaminated Tradition مانصه ص25: (( النص الأولي لا يتطابق مع النص الأصلي، نص المؤلف. بين الأصل والنص الأولي تغييرات معتبرة قد أخذت مكانها لكنها لم تترك أثر واحد في التقليد النصي المتاح. حتي ولو لم تكن تلك القضية، فإن الإختلافات بين الأصل والنص الأولي يجب ان تؤخذ في الحسبان. )) 

[12] Petersen: Textual Traditions Examined , p33
[13] Ibid, p34
[14] Petersen: The Genesis of the Gospels , p62
[15] Ibid, p53-54

8 يونيو 2013

تاريخ إنتقال النص المقدس والنقد النصى


 Eldon Jay Epp  

clip_image001


لماذا فجأة أصبح النقد النصى أكثر تعقيداً !!


لسنوات طويلة ظلت الجملة الشهيرة ( من ومتى وكيف ولماذا حرف ؟!)، هي شعار الكتب الدفاعية العربية فى معرض إجابتها على تساؤلات المسلمين حول قضية تحريف الكتاب المقدس.[1]
لقد كانت تلك الجملة وقتها تتمتع بشكل كبير بالفلسفة العقلية والفكرية المجردة لكنها فى الحقيقة كانت تفتقد الى التمتع الواقعى والحقيقى فى ضوء المخطوطات وتاريخية الإنتقال النصى للعهد الجديد او القديم على حد سواء.
 
ففى بدايات القرن الثالث كانت أولى الإشارات الملحة الى ضرورة تقنين علم يهتم بدراسة الإختلافات بين مخطوطات العهد الجديد، وذلك عندما اشار العلامة (أوريجانوس) الى ذلك قائلاً:
( الاختلافات بين المخطوطات قد صارت عظيمة، إما من خلال إهمال بعض النساخ أو من خلال الجرأة الإنحرافيه لآخرين، أو من خلال إهمال فحص ما قاموا بنسخه، أو في خلال عمليه الفحص قاموا بالإضافة أو الحذف كما شاءوا ).[2]
 
 كان الفاصل الزمني وقتها كفيلاً عند (اوريجانوس) للحديث فقط عن "عدد" ، "أغلب" ، "الكثير" من المخطوطات فى ضوء حدود معينة من المخطوطات المحلية.[3] إلا أنه ومع ذلك كان مضطراً فى بعض الأحيان للإشارة الى التفسير التاريخي للقراءة بعيداً عن قانون الأغلبية او الأقلية. ( على سبيل المثال قراءة -يسوع- بإنجيل متي 27/ 16-17 )
كذلك كانت مهمة إنتاج ترجمة جديدة من قبل القديس (جيروم) بالقرن الرابع تتطلب منه فحص اكثر تدقيقاً لمخطوطات اكثر ولمدى جغرافى اكبر وتقديم معلومات تفسيريه تاريخية لبعض القراءات. ( على سبيل المثال قراءة -اشعياء- بإنجيل متي 13/35
 
في ذلك الوقت لم تكن هناك اى اشارات لنوعية – او جغرافية – محددة لتلك المخطوطات المستخدمة من قبل (أوريجانوس) او (جيروم) لذا فإن العامل الأكثر اهمية لدى علماء النقد النصى المعاصرين فى شهادة هؤلاء الآباء كان منصباً على العامل الزمني والتفسيري لتلك القراءات، حيث ان الأمر وقتها لم يكن يتطلب البحث فى قضية “من” او “متي” او “كيف” وإنما كان العامل المشترك وقتها هو “لماذا”. لأنه ليس هناك من وسيلة لمعرفة المخطوطات التى تحدث عنها هؤلاء الآباء.[4]
 
اليوم وبعد قرون طويلة من تلك المحاولات القديمة فإن علماء النقد النصى وجدوا انفسهم فى نفس الموضع وبنفس المتطلبات، إلا ان المعطيات قد صارت اكثر تعقيداً، فالمخطوطات صارت بالآلاف وبشتى اللغات، والمعطيات التاريخية من القرون الأولى غائبة بشكل كامل ولا توجد مخطوطات كافية لكشف غموض تلك الفترة.[5]
 
لقد بدء النقد النصى فى العصر الحديث مقراً لحقيقة ان “لماذا” قد صارت موضع غموض فضلاً عن ان المعطيات “من” او “متي” او “كيف” لم يعد لها مكان على الإطلاق فى النقد النصى.
لقد كتب (ريتشارد بنتلى) عام 1716م مايفيد بان نتاج النقد النصى فى ضوء الغياب الكامل لتلك العطيات معناه: ( اجد انى قادر على تقديم نص يوناني يماثل افضل النماذج الموجودة وقت مجمع نيقية ).[6]
الأمر ذاته الذى أكده الألمانى (كارل لاتشمان) بعده بقرن من الزمان عام 1831 مفيداً ان الغاية هو تقديم نص القرن الرابع وأما النص المقدس ماقبل ذلك فالوصول اليه مستحيل.[7]
لكن التطور الحقيقى للنقد النصى كان عندما صدرت مقدمة العالمين "ويستكوت" و "هورت" عام 1881 فى النقد النصى للعهد الجديد والتى كانت بمثابة عصر جديد لرؤية العلماء لتاريخ نص العهد الجديد. فبعد دراسة إمتدت عبر ما يزيد عن 25 عاماً فإن العالمين الإنجليزيين قاما بتقديم نصاً يونانياً تحت عنوان: ( العهد الجديد فى الاصل اليوناني ) [8]
لم تكن تلك المقدمة معنية بتقديم المزيد من المخطوطات الكتشفة وإنما كانت معنية بمحاولة تقديم تاريخ الإنتقال النصى لتلك المخطوطات عبر تطوير المنهجيات النصية السابقة.[9]
تلك المنهجية الجديدة كان لها واقع السحر فى كل الأبحاث النقدية اللاحقة[10]، حتى ان العالم "كينت كلارك" وصف نصهما بأنه "النص المستلم" الجديد[11]، إلا انه ومع الإكتشافات المتلاحقة من البرديات والمخطوطات المختلفة فقد بدا واضحاً ان نظرية "ويستكوت" و "هورت" ليست بالقوة التى كان يُنظر إليها، حتى ان العالم "أرنيست كولويل" وصف ذلك الواقع الساحر لتلك المنهجية على النقد النصي بالقول: ( هورت وضع منجية الأنساب العمياء فى أعيننا ) [12].
 
لقد كانت المشكلة واضحة للغايه وتتمثل ببساطة شديدة فى أن التاريخية النصية التى بنيت عليها نظرية "ويستكوت" و "هورت" كانت هشة للغايه كما عبر العالم "كينت كلارك" قائلاً: ( التاريخ النصى الذى يقدمه (ويستكوت وهورت) لم يعد ممكنا الدفاع عنه فى ضوء الإكتشافات الجديدة والتحليلات النصية المتكاملة ) [13]، او كما قال العالم “جاكوب بتزر” : ( نظريتهما للتاريخ النصي لا يمكن تطبيقها على الفترة الزمنية التى جاءت منها البرديات ).[14] ، بشكل أبسط لقد كانت نظريتهما قاصرة أيضاً على تقديم النص المقدس المتاح خلال القرن الرابع.
 
الإعتماد الكبير -وفى بعض الأحيان المطلق- على المخطوط الفاتيكانى من قبل "ويستكوت" و "هورت" هو السبب الحقيقى فى بيان عورة منهجهم، فقد كان "هورت" يعلم جيداً عدم مقدرته على تقديم التفسيرات المطلوبه لتاريخ الإنتقال النصى للعهد الجديد خصوصاً فى ضوء المخطوطات المتاحة لدية[15]، لذا فقد كانت منهجية "هورت" ترتكز فى الأساس على (الجودة) بدلاً من الإرتكاز على المعايير التاريخية.[16]
مفهوم (الجودة) هنا كانت يتطلب أختيار -او على حد وصف العالم "ستريتر" (إختراع)[17]- معيار نصى ثابت تقاس عليه الأشكال النصية المختلفة ومن ثم تحديد أفضلها وأكثرها (جودة).
 
لقد وجد "هورت" ضالته فى المخطوط الفاتيكانى واصفاً إياه: ( خط نقى للغاية من نص قديم جداً )[18]
لم يخبرنا "هورت" بالكثير عن الأسباب الجازمة والمقنعة فى أعتبار "تاريخية" الإنتقال النصى للمخطوط الفاتيكانى هو افضل وانقى إنتقال نصى فى العالم للعهد الجديد !! بل الحقيقة انه لم يخبرنا  أصلا عن التاريخ المادى لهذا المخطوط. لقد ظهر نجم المخطوط الفاتيكانى فجأة فى سماء النقد النصى. !!
قام “هورت” بتمييز النص المقدس الى ثلاثة انواع مبكرة (المحايد والسكندري والغربى) واخر متأخر (السرياني)، مفضلاً المحايد عليها جميعاً واصفاً إياه: ( خالى بشكل كبير من الغش الغربى والسكندرى )[19].
علماء النقد اليوم لا يرون صحة تسمية (المحايد)[20] إلا انهم على الرغم من ذلك يرون ان النص "السكندرى" هو الأقرب للصواب [21]، إلا ان هذا النص فى ذاته قد يظل مبنياً على تنقيح قديم [22]، خصوصاً فى ظل عدم معرفتنا بتاريخ الإنتقال للنص بالقرن الأول والثانى مع الإقرار بأن معظم القراءات قد ظهرت فى تلك الفترة[23]،وأيضاً في ظل إثبات البرديات القديمة ان النص "الغربي" كان موجوداً بمصر بشكل موازى للنص "السكندري"[24]، محاولات العلماء لتقنين الأهمية القصوي لنص معين على باقى النصوص وجعله المرجعية الخلفية الحاسمة للإختلافات [25] لم تعد مرضية، فالعقبات والمشاكل التى تواجهة علماء المسيحية فى إنتاج التاريخ النصى لكتابهم صارت عظيمة كما وصفها العالم (هيلموت كوستر)[26]

فعلي سبيل المثال:
- هل النص الأصلي اقرب للنص السكندرى او الغربى؟
- هل الأنواع النصية المختلفة طورت بشكل متأخر فى القرن الثانى؟
- هل النصى الغربى هو الأقرب للأصل ومن ثم تطور لاحقاً إلى النص السكندرى؟
- أم هل النص الأصلى كان هو النص “الوسطي” والذى طور لاحقاً الى الشقين السكندرى والغربى؟ [27] 
 
لا أحد يملك الإجابه على تلك الأسئلة ولا أحد يملك المقدرة أصلا على إجابة تلك الأسئلة كما أقر بذلك العالم “جاكوب بتزر” قائلاً: ( رغم انه لا احد يمكنه إنكار الحاجة الى اعادة بناء جديدة للتاريخ النصى إلا انه لا احد يبدو قادراً على إنتاج مثل هذا التاريخ ).[28]
لم يكن إخفاق منهجية "ويستكوت" و "هورت" - او كل العلماء اللاحقين - فى إستخدام آليات النقد النصى مع تمييز النصوص "السكندري" و "الغربى" وغيرهما فحسب وإنما كان الإخفاق الواضح يتمثل فى تفسير وجود تلك النصوص فى ذاتها فضلاً عن تفسير الإختلافات النصية بينها وفى داخلها أيضاً.  
لقد بدا واضحاً ان العلماء لم ولن يتسطيعوا تقديم تاريخ إنتقالى للعهد الجديد الامر الذى دعاهم للإستعاضة عن ذلك بالتركيز على تقديم وتطوير (نظام) ثانوي معيوب ألا وهو نظام (الإنتقائية).

 ببساطة فإن النقد النصى لن يستطيع إلا فقط ان يخبرنا بان تلك القراءات فاسدة ولكنه لن يخبرنا عن كيفية فسادها ولا المحركات التاريخية لبيان فسادها، الأمر الذى أشار العالم”"كينت كلارك” إليه من أن الإنتقائية ما هى إلا تبيان بخطئ النظرية التقليدية للنص إلا انها لا تخبرنا بوضوح كيف نصحح ذلك الخطأ [30]، بالمقائل فإن العالم (إلدون إيب) يخبرنا ان (الإنتقائية) ماهى إلا نتاج ضروري للتغلب على الفشل فى إنتاج تاريخ إنتقال نصى للعهد الجديد[31]، متمنياً إستبدالها بشيئا اخر اكثر موثوقية يقدم لنا نظريات مقنعة لتاريخ الإنتقال النصى [32].
هذا العمل من قبل النقد النصى لا يعنى ان المهمة الرئيسة للنقد النصى هي الوصول الى النص الاصلى بل كما رأينا نتاجه عند العلماء (امثال بنتلى ولاتشمان وحتى تعريفات العلماء لنص ويستكوت وهورت) هى الوصول الى اقرب نص يمكن تفسيره، الامر الذى قام العالم "ديفيد باركر" بإيضاحه قائلاً: ( هدف النقد النصى ليس، وفى حالة العهد الجديد لا يمكن ان يكون، إستعادة النص الأصلى ). [33] 
 
بإختصار شديد فإن حل المشاكل النصية بإستخدام النقد النصى لم يعد بالبساطة التى يتخيلها البعض ولا بسطحية الأسلوب الذى ينتهج من قبل البعض فى تحليل القراءات النصية المختلفة، النقد النصى اصبح معقداً فضلاً عن كونه هو فى ذاته أداة سلبية كما وصفة واحداً من أشهر علماء النقد النصى، العالم “زينتز” قائلاً:

النقد النصى لا يزود الطالب بعصا سحرية !!

الخلاصة: اليوم فقد صار من حق المسلمون أنفسهم أن يتساءلوا منتظرين الجواب ممن يزعم الوصول الى النص الأصلى عن:

 من ومتى وكيف ولماذا حرف النص المقدس !!
 
-------------------------------------------
[1] البابا شنودة - اسئلة الناس - أسئلة خاصة بالكتاب المقدس، ص103-105
[2] Matthew 15:14
[3] Metzger, Explicit References in the Works of Origen
[4] على سبيل المثل أشار (أوريجانوس) الى ان كلمة -توبوا- بإنجيل متى 4/17 غير موجودة فى بعض المخطوطات اليونانية والتى لم يعد لها اى وجود اليوم ولا يوجد اى مخطوط يوناني يحذف تلك الكلمة، كذلك إشارة (جيروم) الى ان القراءة الأصلية بالمخطوطات اليونانية كانت تقول (إساف النبى) إلا ان بعض النساخ حرفوها الى (إشعياء النبي)، اليوم لا يوجد اى مخطوط يوناني ولا غير يوناني يتضمن قراءة (إساف).
[5] Eldon Epp, and Gordon Fee, Studies in the Theory and Method, p31
[6] Richard. Bently, The Works, p477
[7] Metzger B. M., The Text of the New Testament 1968, p124
[8] Westcott, B. F., and F.J. A. Hort, The New Testament in the Original Greek
[9] Metzger B. M., and B. D. Ehrman, The Text of the New Testament, p175
[10] Eldon Epp, and Gordon Fee, Studies in the Theory and Method , p12
[11] Kenneth Clark, Today's Problems with Critical text, p158
[12] Ernest Colwell, Scribal Habit, p371 - المائل مضاف للسياق -
[13] Kenneth Clark, Today's Problems with Critical text, p161
[14] Jacobus H. Petzer, The Papyri and New Testament Textual Criticism, p22
[15] وقت تقديم "هورت" لمنهجيته لم تكون البرديات الشهيرة 75 و45 و66 قد أكتشفت بعد.
[16] Eldon Epp, and Gordon Fee, Studies in the Theory and Method, p94
[17] B. H. Streeter, J Theol Studies (1935), p178
[18] Westcott, B. F., and F.J. A. Hort, The New Testament in the Original Greek, p251
[19] Ibid 2, p150-151
[20] Aland and Aland, The text Of New Testament, p14
[21] Jacobus H. Petzer, The History of the New Testament Text, p25
[22] Eldon Epp, The Theological Tendency of Codex Bezae, p36
[23] Colwell, What is the Best New Testament?, p70
[24] A. F. Klijn, An Introduction to the New Testament, p196
[25] Gordon D. Fee, Textual Criticism of the New Testament, p431
[26] Helmut Koester, The Text of the Synoptic Gospels in the Second Century, p19
[27] Eldon Epp, The Twentieth Century Interlude in NT textual criticism, p398-399
[28] Jacobus H. Petzer, The Papyri and New Testament Textual Criticism, p22
[29] Kenneth Clark, The Effect of Recent Textual Criticism, p38
[30] Eldon Epp, Decision points in nt textual criticism, p96
[31] Ibid, p102
[32] D.Parker, Textual Criticism and Theology, ExpTim 118:12, p586
[33] Calvin L. Porter, A Textual Analysis of the Earliest Manuscripts of John, p31