22 أكتوبر 2012

النقد النصى وأثره فى الإيمان المسيحي


 Wieland Willker 


تخيل تداعيات وجود هذه الكلمات فى الكتاب المقدس اليوم



 هذه التدوينة جزء من تدوينة: هل مات يسوع مقتولاً؟ نظرة ثانية ( هنا )

بدء "شمس" مقاله بديباجه ملخصها بإختصار ان النقد النصى لا يؤثر على العقيدة المسيحية لأنه وفقاً لـ "بروس متزجر" -والذى لقبه "شمس" بلقب "عميد النقد النصى فى القرن العشرين"- لا توجد اى عقيدة مسيحية معرضة للخطر بسبب القراءات النصية.

بالطبع هى ديباجه حالمه من "شمس" وتوضيح سلبياتها من ابسط ما يكون ومن خلال علماء النقد النصى أنفسهم.

يقول الأنبا شنودة الثالث فى كتابة بدع حديثة ص177 تحت عنوان كبير (خطورة النقد الكتابى) ما نصه:
(( بعض مُدرِّسِي الكتاب والوعّاظ في بلاد الغرب يجعلون أنفسهم قوّامِين على الكتاب الـمُقدَّس: يُراجِعون ألفاظه, كما لو كانوا عُلماء في اللغة, وينتقدون ما يشاءون, ويحذفون ما يشاءون ! كما لو كان الكتاب خاضعاً لعقولهم ! وليست عقولهم هي التي ينبغي أن تخضع للكتاب .. كما أنهم جعلوا بعض أجزائه أقل أهمية من غيرها ! ونحن لا نقبل منهم هذا الوضع ولا نُوافقهم عليه. أما أن ينتقل بعض من أفكارهم إلى داخل كنيستنا, فأمر عجيب ما كنا ننتظره إطلاقاً. وسنضطر إلى مُواجهته, حتى لا ينتقل إلى البسطاء الذين قد يقبلون ما يُقدَّم لهم من فكر دون فحص ))

بالطبع فإن هاجس تأثر الكتاب المقدس بالنقد الكتابى كان هو المسيطر بلا شك على فكر الأنبا شنودة فى معرض تسطيره لتلك الكلمات ... إنه الهاجس الذى دفعه للرد على الأب متى المسكين قائلاً ص181 (( إنما الذى يتعب الضمير، هو التشكيك فى الإنجيل بحذف جزء منه، مع التشكيك فى كل ما يشبه هذا الجزء المحذوف!! ))

نعم هى المشكلة ذاتها التى تادى بها من عشرات السنين العالم " سالمون " قائلاً:
(( نتائج النقد الحديث ستكون عبارة عن حذف العديد من الفقرات التى كانت تقدس بإجلال خلال العديد من القرون ))
Some Thoughts on the Textual Criticism of the New Testament, p8

لقد كان حذف خاتمة مرقس سبباً عند الأنبا شنودة لوصمه على انه "تشكيك فى الإنجيل"، إن فعل الحذف هنا إرتبط عند البابا بالتفسير على انه تشكيك لكنه بالطبع ليس بالضرورة له نفس الصورة القاتمة عند البعض او على الأقل الطرف الأخر.

ففى الوقت الذى يخبرنا فيه علماء المسيحية بأنه: (( وفقاً لأغلب النقاد النصيين فإن أصل إنجيل مرقس لم يكن يحوى النهاية الطويلة (9/16-20) وأصل إنجيل يوحنا لم يكن يحوى قصة المرأة الزانية ))
Evangelicals & Scripture: Tradition, Authority and Hermeneutics p103

إلا انهم بالمقابل يخبروننا بأن عدم وجود مثل هذه الفقرات بالإنجيل لا يعطى لهم مجالاً واسعاً للشك كما هو الحال عند الأنبا شنودة، بل ان الأمر لا يؤثر من قريب او بعيد فى صميم العقيدة المسيحية عندهم فحتى لو أقررنا بضياع خاتمة مرقس فإن الأمر لم ولن يُزعزع إيمانهم !!

العالم "داريل بوك" يطمئننا قائلاً: (( نقطة واحدة أخيرة بحاجة للتوضيح. مهما كانت رؤية الفرد بهذا الشأن -يقصد خاتمة مرقس- فإنه ليست هناك تعاليم رئيسية من الإيمان المسيحيى مرهونة برؤيتك المختاره. بشكل أوضح لو أعتبرت النهاية الطويلة هى الأصل إذا فإن كل شئ قد تم تعليمه. إما لو كانت النهاية القصيرة فإنها تقدم مشاكل اكثر فى ضوء إحتمالية ضياع جزء من الكلمة. نعم هذا ممكن، لكن على الوجه الأخر للعملة فإن أغلب ماهو ضائع قد تم التأكيد عليه فى النصوص التى لا يعتريها الشك. المفيد والمهم بتلك المشكلة هو الا نفسح مجالاً للشك أكثر مما يستحق. مهما كان إختيارنا سواء أكان النهاية الطويلة او القصيرة فإنه يجب ألا يغير بشكل ملحوظ إيماننا. ))
Perspectives on the Ending of Mark: Four Views p141

ماالذى يعنيه هذا؟
ما يعنيه وببساطة ان قول اى عالم من علماء النقد الكتابى حول ان النقد لا يؤثر على تعاليم او عقائد المسيحية فإنه ينبغى عليه أولاً ان يوضح لنا عن اى تعاليم او عقائد تتحدث.... فما يؤمن به الناقد ليس بالضرورة يعبر عن إيمان الكنيسة او غيره بل هو فى الحقيقة تعبيره عن إيمانه الشخصى الذى قد يُعد هرطقة أصلاً.
فالإختلافات النصية التى لا تؤثر على إيمان الناقد النصى ليست بالضرورة لا تؤثر على إيمان غيره.

فهل مثلاً ستؤمن الكنيسة القبطية ونجدها يوماً من الأيام تتحدث عن أن خاتمة مرقس او حتى قصة المرأة الزانية الموجودة بنسخة الفاندايك غير أصلية وفقاً لأبحاث العلماء وتقرر مثلاً حذفها... هذه تخيلات ولا يجب علينا ان نتمادى بها لأن عصمة الكتاب المقدس جزء أصيل من صلب العقيدة المسيحية. 
فهل الكنيسة على استعداد تام للإقرار بأن جزء من الكتاب المقدس قد ضاع ؟ الإجابة ببساطة " لا "
ام هى على استعداد لإقرار عدم المبالاة من إيمان البعض بضياع جزء من الكتاب بإعتباره امراً لا يتعارض مع تعاليم المسيحية؟ الإجابة كذلك وبنفس البساطة " لا "

من هنا فإنه يجب علينا ان نفهم ونتأمل قول "بروس متزجر" عن عدم أهمية الإختلافات النصية على الإيمان المسيحي.
فما يؤمن به "بروس متزجر" لا يؤمن به "شمس" ولن يؤمن به ولن تؤمن به كذلك الكنيسة.

والسبب بسيط لأن عقيدة "بروس متزجر" فى الكتاب المقدس يمكن تلخيصها فى كلمتين فقط: لا (عصمة) لا (وحى)
فى العدد الأول من الجريدة النقدية كنت قد أشرت فى مقال "النقد النصى وأثره فى تعريف الوحى والعصمة" الى أهمية الوحى الحرفي وبالتالى العصمة الحرفية عند الكنيسة من خلال الإستشهاد بعدد كبير من كتابات رجال الكنيسة القبطية وغيرها.

العالم "بروس متزجر" لا يؤمن لا بالوحى الحرفى ولا يؤمن بالعصمة الحرفية بل هو صريح فى إيمانه من ان كتبة الإنجيل قد يخطئون فى بعض البيانات التى يكتبونها فضلاً عن أن المصادر التى يعتمدون عليها فى كتابة إنجيلهم قد تحتوى معلومات خاطئة -فأين هو دور الوحى إذاً ؟! - .

وإلى القارئ الدليل:
( متي7/1-8 ) حيث يقول النص وفقاً لترجمة الفاندايك: (وَأَبِيَّا وَلَدَ آسَا. 8 وَآسَا وَلَدَ يَهُوشَافَاطَ.)
إلا انه بدلاً من (آسا) فإن علماء النقد يفضلون قراءة (آساف)، والتى تعد خطأ لفظى لكلمة (آسا)، "بروس متزجر" كان ممن يقرون بذلك بل وأكد  ببساطة انه لا توجد أسباباً تجعلهم يفضلون قراءة (آسا) على قراءة (آساف) موضحاً أنها خطأ من الإنجيلى نفسه: (( الإنجيلي ربما اتخذ شجرة الأنساب من مادة مُشتقة، ليس من العهد القديم مباشرة، لكن من قوائم أنساب لاحقة والتي وقع فيها خطأ التهجي ، اللجنة لم تري سبباً لإختيار ما يبدو أنه عملية تصحيح من الناسخ لنص " متي " ))
A Textual Commentary on the Greek New Testament p1

هل تؤمن الكنيسة او يؤمن "شمس" بأن الإنجيلى يمكن ان يخطئ ؟ طبعا الإجابة معروفة " لا "

لنقارن إذاً قرار "متزجر" مع بيان القس "شنودة ماهر إسحق" حول ضرورة الإعتراف بعصمة الإنجيلى قائلاً:
(( لا يكفي فقط أن نقرر بأن الكتاب موحي به وله سلطان ، وإنما لا بد ان نعترف أيضاً بأنه منزه عن الخطأ ومعصوم. ونعني بذلك أنه بدون أخطاء في مخطوطاته الأصلية. فهو منزه عن الخطأ في كل ما يؤكده، سواء كانت هذه أموراً تاريخية أو علمية أو أخلاقية أو عقائدية. والتنزه عن الخطأ يمتد إلي الكتاب كله، ولا يقتصر علي تعاليم معينة في الكتاب . ))
الكتاب المقدس اسلوب تفسيره السليم وفقا لفكر الاباء القويم – شنودة ماهر ( إميل ماهر سابقاً ) ط1 ص43

إن الأمر لا يقتصر على مثال بل يتمد جنباته الى الكثير من الأمثلة:

يتبقى لنا فى هذه النقطة ملحوظة ألا وهى توضيح الفارق بين:
كون التعاليم او العقائد مبنيه على قراءة مختلفة وكونها مبنية على قراءة مخالفة ... فإنه يجب علينا التفرقة بين مختلفة ومخالفة.
فمختلفة يقصد بها ان القراءة التى بمتن النص قد تختلف مع قراءة أخرى لها تعاليم أخرى إلا ان تلك القراءة لم تدخل حيز الصحة والقبول لدى علماء النقد النصى وبقى النص بالمتن عندهم موافقاً لتعليم معين (مثال حالتنا النصية هنا بمتى 27-49).
أما المخالفة فيقصد بها ان القراءة التى دخلت حيز القبول وطبعت بالمتن لها طابع خلافى مع تعاليم معينه (كمثال آساف بمتى 1-7/8 و ابنته هيروديا بمرقس 6-22).

الخلاصة:
* يقر معظم علماء النقد النصى اليوم بأن أغلب الإختلافات النصية سواء أكانت متعمده او غير متعمده تمت خلال القرن الثانى.
* يقر الكثير من علماء النقد النصى اليوم بأن هناك قراءات تم التخلص منها لأنها ( لم تعد مقبولة لاهوتيا).
النقد الكتابى كمجمل وكحقل النقد النصى تحديداً له تأثير حقيقى على تعاليم مسيحية كثيرة أبسطها عصمة ووحى الكتاب المقدس.
وذلك من باب أقرار علماء المسيحية أنفسهم، حيث يقول "جيمس بورلاند" :
(( علم النص السائد يمكن أن يُستخدم وهو يُستخدم في إنكار عصمة الكتابات الأصلية ))
Re-Examining New Testament Textual-Critical Principles p502

وكنتيجة لذلك فان علماء النقد النصى أنفسهم يقرون بأنه لا يمكن لأحد ضمان عدم تأثير النقد النصى على إيمانه.
ولنا من كلام العالم "كينث كلارك" الدلاله الحاسمة على ذلك:
(( من المستحيل على اى باحث ان يقدم تأكيداً لأى مسيحي من ان الدراسات النصية لن تؤثر على معتقداته حتى ولو للأفضل ))
The Theological Relevance of Textual Variations JBL 85 (1966) p5

ما يعنينا هنا بتلك التدوينة هو التأكيد على ان قضية طعن يسوع بالحربة بإنجيل متى وبدون اى نقاش او إختلاف لها تأثير كبير على الإيمان المسيحي، فمن يؤمن بصحة تلك الفقرة من العلماء لم يعد بالضرورة يؤمن بنفس الفكر اللاهوتى المُسلم به داخل الكنيسة، إنه ببساطة يؤمن بأن يسوع مات مقتولاً وان الأناجيل قد تتضارب شهادتها.

ويكفينا هنا ترديد مقوله " Wieland Willker " والتى تقول:
(( تخيل تداعيات وجود هذه الكلمات في الكتاب المقدس اليوم! ))
A Textual Commentary on the Greek Gospels – Vol. 1 Matthew – TVU 317


ليست هناك تعليقات: