13 نوفمبر 2012

عصمة العهد الجديد .... الأساطير النصية




 Craig A. Evans




هذه الأعداد ليست أصلية بإنجيل متى



فى تدوينة سابقة رأينا كيف ان قرارات العالم النقدى ليست بالضرورة تندرج تحت باب "الإيمان الكنسى" ولكنها فى الواقع قد تندرج تحت باب "الإيمان الشخصى" وضربنا امثلة على ذلك بالعالم النقدى الشهير: بروس متزجر (هنا) و (هنا) ، وكذلك العالم دانيال والاس (هنا)، ورأينا كيف ان مقولة (متزجر) مثلاً عن عدم خطورة النقد على الكتاب المقدس وانها لا تؤثر فى الإيمان هى من منطلق الإيمان (الشخصى) له، فهو فى الحقيقة يؤمن بعدم عصمة الإناجيل بل هو صراحة يقر بخطأ الإنجيلى نفسه بالعدد 7-8 من الإصحاح الأول.

اليوم فإننا نقدم مثالاً اخر لعالم أصولى محافظ ألا وهو العالم: كريج آلان إيفانز، (كريج) له مؤلفات كثيرة فى اللاهوت والتفاسير والنقد النصى والتاريخ المسيحى بالإضافة فإن له مناظرات شهيرة مع العالم (إيرمان بارت).
 يقول دكتور (كريج) عن موثوقية التقليد المخطوطى فى الإنتقال النصى للعهد الجديد:
(( اى زعم بان تقليد المخطوطات اليونانية مليئ بالأخطاء للدرجة التى تجعلنا غير قادرين على معرفة ما كتبه مؤلفى العهد الجديد حقاً هو للأسف زعم مغلوط ))
The Reliability of The New Testament, p167 

كلمات قيمة جداً تصلح للإستشهاد ضد أى ناقد يقول ان التقليد المخطوطى الذى ينقل لنا نص العهد الجديد غير موثوق به، لكن هذه نصف الحقيقة، نعم (كريج) قال هذا وهو يؤمن به لكنه أيضاً يقول ويؤمن بأمور لا يمكن ان نجمعها مع هذا القول فى إيمان اى مسيحى اخر او الإيمان الكنسى بشكل عام.

العالم (كريج) لا يؤمن بأصولية الأعداد التى تتحدث عن صمت النساء بالكنائس والمنصوص عليها برسالة كورنثوس الأولى والإصحاح 14. كذلك العالم (كريج) لا يؤمن بأصولية نهاية مرقس ولا يؤمن بصحة قصة المرأة الزانية. 
فهل هذه الأمور لا تؤثر فى إيمان المسحي العادى او الإيمان الكنسى ... ؟!
الإجابة ببساطة بل تؤثر وتهدم إيمان البعض فعلاً كما أشار البابا شنودة فى معرض رده على متى المسكين (هنا)    

ما يهمنا هنا هو إختبار التقليد المخطوطى فى ضوء قضايا ليس عليها إختلاف فى المخطوطات فعلاً. 
فإذا كانت بعض المخطوطات هى التى أجبرت العلماء على رفض نهاية مرقس وقصة المرأة الزانية لعدم إحتوائها على تلك الفقرات.
فإن قضية صمت النساء ثابته بكل المخطوطات مع بعض الإختلاف فى موضعها ولكن لا يوجد مخطوط واحد يحذفها.

فإين هى موثوقية التقليد  المخطوطى مع إقرار (كريج) لعدم صحة تلك الفقرة وهى ثابته فى كل المخطوطات ؟!
نعم ربما لأن هذا الإختلاف بالموضع هو الذى دفع بعض العلماء للشك فيها فإن النص التالى والذى رفض صحته (كريج) أيضاً لا خلاف عليه فى المخطوطات البته .. فلا إختلاف فى موضعه ولا يوجد مخطوط واحد فى العالم يحذفه ومع ذلك رفض صحته (كريج)، بل هو يدعو صراحة الى تخيل إكتشاف مخطوط قديم لن يحتوى على تلك الفقرة.
إنها فقرة قيامة القديسين بإنجيل (متى) الإصحاح 27 والأعداد 52-53.


حيث يقر الدكتور (كريج) بعدم صحتها قائلاً:
(( أخيراً فإننا نرى القصة الغريبة جداً للقديسين الأموات والذين قاموا مع يسوع. وفقاً لمرقس فإن حجاب الهيكل عند موت يسوع قد إنشق وقائد المئة أقر بأن يسوع كان حقاً ابن الله (مرقس 15/ 38-39). القصة بإتجيل متى بها تفاصيل إضافية. ليس فقط إنشقاق حجاب الهيكل: "والأرض تزلزلت، والصخور تشققت  والقبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة، وظهروا لكثيرين" (متى 27/ 51-53). تفاصيل زلزلة الأرض وإنشقاق الصخور ربما هى من إضافات (متى) للقصة. لكن ماذا عن باقى الكلام بالأعداد 52-53؟ هل قام القديسين (او المباركين) ايضاً بداية الفصح؟
على الرغم من إدراكى من أننا لا تملك مخطوطاً واحداً يدل على إقتراحاتى من ان هذه الأعداد ليست جزءاً أصلياً من قصة (متى)،  أنا أعتقد أيضاً بأنها قد إضيفت الى النص من قبل النساخ المسحيين القدامى، ربما من خلال إستلهام النسخة اليونانية لزكريا (14/ 4-5) .... انا اقول ذلك بسبب ان العامل الزمنى غير الملائم المقدم من تلك الحادثة الغريبة لقيامة القديسين الأموات. نحن نقرأ انه عند زلزلة الأرض وتشقق الصخور وإنفتاح القبور والقديسين الاموات قاموا (العدد 52). لكن هذا كان الجمعة بعد الظهر نفس يوم موت يسوع. القديسين القائمين لم يغادروا فعلاً قبورهم ويدخلون أورشليم (المدينة المقدسة) إلا "بعد قيامة يسوع" (العدد 53). هذا لغز محير. القديسين الأموات قاموا يوم الجمعة يوم موت يسوع (وهم بذلك قد سبقوا يسوع فى قيامته)، لكنهم مكثوا فى قبورهم حتى الأحد (وذلك حتى لا يسبقوا يسوع؟). الأمر غريب إذ كيف يمكن لأى شخص ان يعرف ان هؤلاء الأشخاص القائمون هم فى الحقيقة قديسين متوفين. ألا يمكن ان تعد ببساطة لزائرى أورشليم او لحجاج زائرين للفصح؟ علاوة على ذلك ما الذى حدث لهم؟ هل عادوا الى قبورهم؟ .... تلك الإضافة للقصة من قيامة القديسين غير ملائمة زمنياً وفى رأيى لا تعكس المهارة الأدبية للإنجيلى متى. ربما تكون إضافة توضحية فى محاولة لتعزيز قصة القيامة. يوم ما سنكتشف مخطوطاً يونانياً يعود للقرن الثانى الميلادى يتضمن الجزء الأخير من إصحاح 27 لمتى، ولن أشغر بالإستغراب إذا كانت الأعداد 52-53 غير متضمنه به.))
The Reliability of The New Testament, p166-167 
 
الكلام ذاته سنجده فى تفسيره الحديث لإنجيل متى ص466-467
 
ما يجب ان نشير إليه هنا ان (كريج) لم يستخدم النقد النصى ولكنه إستخدم النقد الشكلى فى إثبات عدم موثوقية التقليد النصى فى ذلك الموضع .. إذ ما يجب ان نفهمه هو ان النص ثابت بلا خلاف فى كل المخطوطات ما يعنى ان عدم إقرار صحة (كريج) له هو ببساطة طعنة فى اى نص ثابت فى التقليد المخطوطى بلا خلاف ويدل على ان عدم خلاف المخطوطات ليس بالضرورة يدل على الموثوقية لتلك المخطوطات بل يثبت ببساطة اكثر ان التقليد المخطوطى الباقى قد قام فوق نص فاسد وان: 
 

ان النص الأصلى قد ضاع ولا يمكن إستعادته بالنقد النصى

9 نوفمبر 2012

ضياع النص الاصلى للعهد الجديد ... نظرية النص الأولى



 David C. Parker

 



النقد النصى ليس هدفه إستعادة النص الأصلى


أشرنا فى التدوينة السابقة ( هنا ) إلى المنهج الجديد الذى بدء علماء النقد النصى الإتجاه إليه ألا وهو منهج "النص الأولى"، هذا المنهج معناه كما أشارنا مسبقاً ان النص "الأصلى" قد فًقد جزئياً او كلياً خلال القرنين الأول والثانى وربما الثالث.
كذلك فقد رأينا كيف ان نظرية او منهجية "النص الأولى" هى نظرية إفتراضية لا تعنى بالضرورة ان النص "الأولى" هو فى ذاته قد يحمل الصورة المعاكسة المطابقة للنص الأصلى المفقود او حتى انه يحمل صورة نصية كانت موجودة فى الحقيقة.

آليه اعادة بناء تاريخية النص "الأولى" تقوم على ثلاثة محاور رئيسة هى:
1- مرحلة النص او النصوص قبل النص "الأولى"
2- مرحلة النص "الأولى" (او النصوص)
3- مرحلة النص او النصوص ما بعد النص "الأولى"

بحث هيكلة وبناء شجرة المخطوطات ليس الغرض من تلك التدوينة وإنما تلك التدوينة مبنية أساساً لتوضيح بعض الأمور المبهمة بالتدوينة الأولى.

1- موقف العالمة "باربرا آلاند" من النص "الأولى" وعلاقته بالنص "الأصلى"
بدءاً فإنه ينبغى لنا لكى نفهم كلام "باربرا آلاند" ان نستخلص النقاط الرئيسية فيه والتى تتمثل فى:
* لا يمكن لأحد ان يزعم الوصول الى النص الأصلى فى صورته الاصلية "Ur-Text Form" حيث تقول:
(( على الرغم من عدم زعمنا باى وقت مضى إنشاء نص العهد الجديد فى صورتة الأصلية "Ur-Text Form"، فإن هدفنا الوصول بأقرب ما يمكن لهذا الشكل وفقاً للقدرة البشرية )) ص16 - 17

2- الفارق بين النص "الأولى" و "الأصلى" و "الرسمى"، حيث تقول: ص17
- النص الأصلى - هو نص المؤلف، وقد ضاع ولا يمكن إستعادته بشكل مباشر من خلال أدوات النقد النصى.
- النص الأولى - المقصود به شكل النص الذى يقف عند بداية التقليد النصى. هو قريب لـ "الأصل" ولكن لا يمكن ان ان يكون متطابقاً مع النص "الأصلى".
- النص الرسمى او المؤسس - هو يمثل نظرية إعادة بناء النص "الأولى" هذا هو الخط النصى الرئيسى للنسخة (تقصد نسخة نستل آلاند و Editio Critica Maior ). نحن نحاول بكل دقة ممكنة إعادة بناء النص "الأولى" خلال النص "الرسمى"

ما الذى يمكننا ان نستخلصه من تلك التعريفات:
1- النص الأصلى ضاع نهائياً ولا يمكن الوصول إليه عند طريق النقد النصى بصورة مباشرة
2- النقد النصى لا يملك الأدوات الكافية فى ذاته للوصول الى النص الأصلى المفقود
3- النص "الأولى" هو مرحلة متوسطة بين النص "الأصلى" الضائع وبين النص "الرسمى"
4- نسخة نستل آلاند و Editio Critica Maior نستل لا تقدم النص "الأصلى" ولا حتى النص "الأولى" وإنما تقدم أفضل صورة ممكنة للنص "الأولى" والذى هو لا يتطابق بالضرورة مع النص "الأصلى" كلياً.

بشكل أكثر وضوحاً لقد صار العمل النقدى اليوم يسير وفقاً لمرحلة زائدة عن العمل النقدى الكلاسيكى.
فالناقد النصى التقليدى الكلاسيكى كان يُحاول تقديم أقرب نص ممكن من النص "الأصلى" نفسه.
اما الأن فهناك مرحلة زائدة, لقد صار الناقد يحاول الوصول إلى النص "الأولى" الذى يسبق النص "الأصلى" ويختلف عنه وذلك بدلاً من الفكرة التقليدية بالوصول إلى الأصل مباشرة او محاولة التقرب منه.


 

 العالم الإنجليزي الشهير "ديفيد باركر" يصور لنا هذا الفكر الجديد قائلاً:
(( هدف النقد النصى ليس، وفى حالة العهد الجديد لا يمكن ان يكون، إستعادة النص الأصلى ))
Textual Criticism and Theology , ExpTim 118:12, p586 

 ولا يقتصر الأمر هنا فقط على علماء جامعة برمنجهام وعلماء معهد الأبحاث النصية بألمانيا والذى يُعهد أشهر المعاهد على مستوى العالم بأكمله. بل يتخطاهم إلى علماء آخرين ليسوا معنيين او مشاركين فى إعداد نسخة ECM او الإصدار الجديد من إنجيل يوحنا وفقاً للمشروع العالمى. مثالنا هنا يأتى من جامعة ليدز حيث العالم النقدى الشهير:


 James Keith Elliott


والذى يقول فى واحد من أخر أبحاثه:
(( حتى وقت قريب فإن معظم النقاد النصيين والمحررين كانوا يصرحون بأن مخزون بضاعتهم هو إعادة تأسيس النص الأصلى والذى كانوا يعنون به نص المؤلف. الأن فإن هذا يُنظر إليه على انه وهم، ومع العدد المتُزايد من تلك الكتابات فى النقد النصى فإن الممارسين الأن يحددون هدفهم بتعيين تاريخ النص من أقرب شكل نصى يمكن إستعادته. ( يُعرف عادة بلغة التجارة Ausgangstext - النص الأولى الإفتراضى والذى إنحدرت منه كافة الإختلافات النصية ) ))
Recent Trends in the Textual Criticism of the New Testament, p127

إن التغييرات الدراماتية قد أخذت موضعها فى التاريخ النقدى للعهد الجديد، فبعد ان كان نص نستل آلاند وفقاً لمحرريه - من بينهم باربرا آلاند نفسها - يُنظر إليه على انه النص "المعياري" والذى لن توجد اى قراراءت مستقبلية يمكن ان تستدعى تغييره بل ان الأمر وصل لمرحلة القول:
(( الهدف المرجو يظهر الأن وقد تم الوصول إليه لتقديم كتابات العهد الجديد فى الشكل النصى الأقرب للشكل الذى تركته ايدى مؤلفيه او محرريه، لقد إنطلقوا فى رحلتهم داخل الكنيسة بالقرن الأول والثانى. ))

لقد بدا وكأن "باربرا آلاند"قد تراجعت كثيراً للخلف، حتى ان الدكتور "كيث إليوت" نفسه يحكى لنا عن إهتمامه بسماع إجابتها عن إمكانية وصولنا للنص الأصلى، لكنه فوجئ بها تقول بسرعة:
(( النص "الأولى" ليس بالضرورة هو ذاته النص "الأصلى" للمؤلفين "الأصليين" ))
New Testament Textual Criticism, p21


 فما كان مسبقاً يُعرف بإسم "النص المعيارى" -وأقصد به نسخة نستل آلاند- والمقبول من الجميع قد صار الأن كما قال العالم "ديفيد باركر":
(( نسخة نستل آلاند أداة جيدة, ولا يمكن للمرء تخيل عدم وجودها، لكنها بديل مؤقت، فى إنتظار الإنتهاء من Editio Critica Maior. النص (يقصد نسخة نستل آلاند) ليس حصيلة دراسة لكافة المخطوطات لأنه يسبق التطورات فى منهج معهد مونستر وأدوات الكمبيوتر الأخرى التى صارت الأن متاحة، والمخطوطات لم تحدد عبر تحليل كافة الشواهد فى الفقرات التجريبية. ))
Textual Scholarship and the Making of The New Testament, p111  

قبل ان يؤكد قائلاً:
(( كافة الأناجيل الدارجة - يقصد الترجمات باللغات المختلفة - ستعتمد على نص نسخة Editio Critica Maior ))
Ibid, p121

 بإختصار وكما يصف لنا "كيث إليوت" حال الموثوقية فى جودة تقديم نص نسخة نستل الآند للنص الأصلى: 

(( تلك الثقة قد ذهبت الأن ))

 فى التدوينة القادمة بإذن الله سنتطرق الى فكرة العلاقة بين النص "الأولى" والنص "الأصلى" والتعرف على رأى "باربرا آلاند" فى تلك العلاقة ونقد هذا الرأى وفقاً لأقوال العلماء والباحثين النقديين.